قل ما تشاءُ , كما تشاءُ , متى تشاءُ , لمن تشاءْ

الاثنين، 9 يونيو 2008

هنطلع ميتين أهلك




لا أعرف سبباً محدداً و لكني فوجئتُ بنفسي أتساءلُ عن معنى هذه العبارة
هطلع ميتين أهلك
ما علاقة الجد السابع مثلاً المسحوب على وجهه في النار أو السابح في سحر الحور بما سيحدث لحفيده على يد شاب أقوى أو رئيس في العمل أو أمين شرطة داخل أحد أقسام البوليس أو امرأته المتجبرة عندما يُغلق عليهما باب , أخذتُ أقلبها على كافة وجوهها و أعالج أقفال جذورها مسلطاً الكشَّاف على الزوايا المعتمة و بعد جهد غير يسير أوحى الله إليَّ بما أوحى من معاني الكلمات


الغريب في الأمر أن هذه العبارة ليست كما تبدو , فهي تخلو من الألفاظ الداعرة التي تحفل بها العبارات الأخرى و التي تقال في نفس المواقف التي تذكر فيها عبارتنا محل الحديث
فعندما أقول لواحدٍ ابن ( ...... )
أنا هطلع ميتين أهلك
فأنا أعني أني سوف أدفعه إلى أعلى مقامات الألم ثم أقذفه في الدرك الأسفل من الهوان حتى تنشق الأرض عن الموتى من أهله يسارعون إلى نجدته


حسناً هذا هو المعنى إذن
و لكن أين موتانا ؟
أين مينا ؟ أين خوفو ؟ أين أحمس ؟
أين صلاح الدين و قطز و محمد علي باشا ؟
لماذا لا تتبعثر القبور و ينسل الموتى ؟
ألم يصل المصريون بعد إلى أعلى مقامات الألم ؟
ألا يتنفسون دخان العجز في الدرك الأسفل من الهوان ؟
ألا تسمع الحكومة و هي تقول لك في كل يوم و بكل ثقة
هنطلع ميتين أهلك ؟
تقولها لك في التلفاز و الجرائد و الراديو و الإنترنت و المدرسة و الجامعة و العمل و المواصلات و الشوارع , تصرح بها في مرتبك و في رغيف الخبز و الفول و السكر و البنزين
في كل شيء و في كل لحظة , في حركتك و سكونك , في يقظتك و نومك , تسمعها و هي تبصقها في وجهك بكل صدق و إصرار
هنطلع ميتين أهلك
و رغم الجوع و المرض و الحرمان و رغم الموت المتربص في العبَّارات و القطارات و مسارح الوزارة و قوارب الهروب و غرف عجلات الطائرات و أكياس الدم و شهيقك و زفيرك إلا أنك لا ترى ميتاً واحداً من أهلك يوحد الله و يخرج من دفنته لنجدتك .


أتوقع في أي لحظة و في أي مكان , و أنا أقف عند المحطة مثلاً أنتظر الأتوبيس أن تمس كتفي من الخلف يدٌ عظميةٌ فألتفتُ فأجد جدي الأول فرحات في صورة البعث التي تخيلته عليها تماماً , هيكلاً عظمياً بحتاً , يفتر ثغره في ابتسامة مشفقة عن أسنان متباعدة و مثقوبة في أكثر من موضع لن أدفعه في قفصه الصدري و أقول له أن الأجيال من بعده تناقلت قصة تفريطه في مائة و خمسين فداناً زراعياً في الهرم بالتماس خائب قدمه للخديوي مقابل أن تسقط عنه الضرائب التي عجز عن سدادها , لن أقول له أن كل هذه الأراضي تحولت إلى مبانٍ و أن سعر المتر الواحد منها الآن كفيلٌ بإحضار شبْكة محترمة للبنت المسكينة المعلقة بين السماء و الأرض , و أنه بفعلته النكراء حرمني أنا حفيده الذي بُعث من أجله
من أن أكون واحد ممن يعملون على إعادة أموات المصريين إلى الحياة , لا لن أقول و ربما أخذته في حضني و ضممته بشدة غير مبالياً بالآلام التي ستبعثها عظامه الصلبة في صدري فإن لم أحتمل جدي بعد أن جار عليه الدود فمن سأحتمل ؟ سأبكي على قفصه الصدري بشدة و أسأله الثأر لكرامتي من الأوغاد
و لكن جدي لا يظهر , ألتفت بين الحين و الأخر إلى الوراء و لكن دون جدوى , أتيقن أني لم أصل بعد إلى أعلى مقامات الألم و لم أنزل إلى الدرك الأسفل من الهوان و أن مازالت هناك مسافة لم تقطع بعد في طريق العذاب , و يأتي الأتوبيس و على جانبه إعلان كبير بالألوان
هنطلع ميتين أهلك

هناك 3 تعليقات:

Radwa يقول...

ههههههههههههههههههههههههههههه
لا تعليق

محمد سلامة يقول...

سيندريلا
متشكر يا فندم على مرورك
ولا تعليق على التعليق

Unknown يقول...

روعة اعجبتني جداااا
بعد 13 سنة قرأت مقالك واعجبني وما زال لائق ع وضعنا المرير كما هو!!!!